فعودة التائب لذنبه الذي تاب منه ؛ لا يلزم منها أنه عبدٌ غير مقبول ، أو أن توبته فاسدة ، أو أنه فاسد و لا يصلح للتوبة .
و لقد دلت على هذا كثير من الأدلة ...
فهذا رجل كثيرا ما يؤتى به شاربا للخمر ، فينال منه بعض الصحابة ، فيقول لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تلعنوه، فوالله ما علمت، إنه يحب الله ورسوله )
والحديث أخرجه البخاري في صحيحه.
و ذاك العبد الذي تكرر منه الذنب كما في الحديث القدسي يقول الله تعالى :
" أذنب عبد ذنبا ، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك ".
رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم .
و لهذا يقول النووي ( رحمه الله ) :
...وإذا تاب توبة صحيحة بشروطها ثم عاود ذلك الذنب ؛ كُتب عليه ذلك الذنب الثاني ، ولم تبطل توبته ، هذا مذهب أهل السنة.
انتهى المراد من كلامه.
ويقول ابن تيمية (رحمه الله ) :
فإن العبد إنما يعود إلى الذنب لبقايا في نفسه فمن خرج من قلبه الشبهة والشهوة لم يعد إلى الذنب ، فهذه التوبة النصوح ، وهي واجبة بما أمر الله تعالى ؛ ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى ، ثم إذا عاد استحق العقوبة ، فإن تاب تاب الله عليه أيضا. ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصر ؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة...
انتهى المراد من كلامه رحمه الله.
انظر إلى كلامه يقول : ( ولو عاد في اليوم مائة مرة..)
فالتائب تعرض عليه ذنوبه بعد توبته ، على سبيل الابتلاء و الاختبار ، لإخراج ما في نفسه ، و لقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه ، فقال تعالى :
{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)}
[العنكبوت : 1-4]
وقال تعالى :
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}
[محمد : 31]
وقال الله تعالى :
{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}
[المائدة : 94]
و الآيات في ذلك كثيرة ، ومنه نعلم أن العبد إن وقع في الذنب بعد توبته منه ، فإنما يدل على بقايا في نفسه ينبغي أن يخرجها ، ولا يدل ذلك على بطلان توبته الأولى ، و يدل على أنه يحتاج لتجديد التوبة للذنب الثاني...وهكذا..كلما وقع في الذنب ، تاب منه ، و لا يمل من نفسه ، ولا يمل من التوبة ، و لا ييأس من رحمة الله تعالى ، فإنه كلما تاب ورجع ؛ تاب الله عليه ...
هذا ونسأل الله تعالى أن يغفر لنا جميعا و أن يتقبل توبتنا و يثبتنا على صراطه المستقيم ...
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم....
كتبه/الشيخ هاني بن ابراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِن...
تعليقات
إرسال تعليق